قرية نائية تنجب المتعلم المكافح
قريتي الجميلة، قريتي التي كبرت فيها. إنها تلمي نايت ابراهيم ، بلدة التي تقع بين سفوح الجبال الأطلس الكبير الشرقي ، قرية أمازيغية ، يغلب على سكانها طابع الجود والكرام ، يكرمون الضيف بكل ما لديهم ، ساكنة معروفة بالكفاح من أجل لقمة العيش ، قريتي معروفة بالبرد القارس ، حيث تقع تحت ظل جبل امسطريط الذي يرتفع عن مستوى سطح البحر بحوالي 1800 متر ، قريتي التي يبتدئ فيها فصل الشتاء والبرد من أواخر شهر شتنبر إلى بداية شهر مايو : سبعة أشهر من قساوة الطقس، قرية تيعش فصلين ( فصل الشتاء والصيف ) بدل أربعة فصول التي تعيشها المناطق الأخرى . و تعرف في فصل الشتاء تساقط الثلوج بكثافة ، حيث يصل سمكها في بعض الأحيان إلى سبعين سنتمرا ، أنشطة السكان في قريتي يتجلى في مجال الرعي وتربية الماشية ، والفلاحة رغم أنها لا تتوفر على واحات، يعتمد سكانها على أراضي مسقية وقليل من أراضي البور في منطقة إسمها انكزان شمال القرية .
هنا مسقط رأسي وكبرت حتى التحقت بالتعليم الابتدائي في التسعينات ، واصلت دراستي رغم كل الصعوبات والعقبات التي اعترضتني ،من بينها ما هو مادي حيث كبرت في أسرة حالتها الاجتماعية ضعيفة كباقي أسر المنطقة ، وزيادة على كل هذا أهل القرية لم يعطوا اهتماما للدراسة في المدراس حيث كانوا الأطفال في ذلك الوقت يدرسون في المسيد ، و كانت أنذاك عبارة بالأمازيغية تردد في قبل الجميع و هي ( اونا ياغن أفوس إ مميس س المدرسة أداست ياغ أداي إمت سجهنم ) وهي العبارة سأقول ساعدت ثلثة من أبناء القرية في الانقطاع عن الدراسة بشكل نهائي والتحقوا إلى مجال الرعي .
أما هذا العبد الضعيف استمر في الدراسة رغم كل المعيقات حتى حصل على شهادة الابتدائي.
و بعد ذلك التحقت بالاعدادية في قرية إميلشيل لأكمل دراستي هنالك ، وواجهتني أيضا صعوبات ومعيقات أكثر من التي واجهتني في القرية ، من حيث البعد عن الأسرة وتحملنا المسؤولية التي تكبرنا ، كنت أغسل ملابسي يوم الأحد في واد تينكاكو لأني قمت بكراء بيت غير مرتبط بالماء الصالح للشرب ، وكانت أمي رحمها الله ترسل لي خبزا يوم الجمعة مع أحد الأشخاص باعتبار هذا اليوم يوم السوق الأسبوعي ، لأنني لا يكفيني ما يقدمونه لنا من الأكل في الداخلية التابعة للمؤسسة أنذاك ، لكن رغم هذه الصعوبات كلها ، واصلت دراسي حتى حصلت على شهادة التعليم الاعدادي ، في هذه المحطة أدركت أني بدأت أقترب من شهادة البكالوريا ما زاد حفزني لأحصل على هذه الشهادة ، فعلا قاومت بكل ما في وسعي لأنال شهادة الباك ، مرت بضع سنوات وحصلت عليها ، هنا أنهيت الجهاد الصغير وانتقلت إلى الجهاد الأكبر حيث يتحتم علي متباعة دراستي بعد اجتياز بعض مباريات التوظيف دون جدوى .
التحقت بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس كلية العلوم ، شعبة علوم الفيزياء ، واصطدمت بواقع آخر ليس كالذي اعتدت عليه في قريتي ، حيث واجهت مجتمع أخرو ثقافة أخرى في الشارع ، وتراكم الدروس والمحاضرات أيضا نظرا لكثرة المكونات ، إلا أنني كافحت لمواصلة دراستي وتعرفت على أصدقاء جدد ، وأكملت دراستي وحصلت على
الإجازة في شعبة علوم الفيزياء تخصص الطاقية ... وها أنا الآن اشتعل رأسي شيبا...
ولازالت الحياة تستمر ...