حميل كتاب الفشل - أسبابه ونتائجه من زاوية التحليل النفسي PDF
الفشل هزيمة مرة تتربص بالإنسان في ميادين الحياة كافة : العاطفية والاجتماعية والمهنية والفكرية، فيسقط الإنسان هناك حيث النجاح ممکن ومتوقع وتتلاشى الآمال والأحلام على صخرة الواقع الصلبة، يتحول المرء صرخة في هوة لا ترحم. ويحاول كثير من الناس تفهم أو تعليل فشلهم أو فشل قريبهم أو صديقهم أو أحد معارفهم ، فيردون هذا الفشل إلى عوامل خارجية كالظروف المهنية أو الاجتماعية أو السياسية، أو إلى نقص في المؤهلات أو عدم مرونة تجاه العوائق والمعطيات. والواقع أن الفشل حالة تختلف باختلاف الأشخاص فمنهم من يمر به فيصبح أكثر قوة، ومنهم من يتعرض له فيحطم الفشل أجنحته، ومنهم من لا يستطيع تحمل مراراته فيهلك فيها؛ ومنهم، وهذا هو الأخطر، من يسير مباشرة إلى الفشل بقدميه، فيسعى إليه سعيا نتيجة رواسب قديمة وظروف نفسية وعائلية صعبة مر بها في طفولته، وهو ما يتوقف عنده هذا الكتاب بشكل عميق.
فالفشل أحيانا لا يكون مجرد عارض طرأ على الإنسان كما يخيل إليه أو إلى البعض، بل يكون نتيجة حتمية لصراعات داخلية عنيفة ولجروح نفسية تركت أثرها في الإنسان وحملته على الفشل حملا، لذلك يجب الاستعانة بالتحليل النفسي لدراسته واكتشاف أسبابه وتوضيح حقيقة نتائجه، وهو ما يجهد هذا الكتاب للقيام به.
ولعل من أكثر الأمور إمتاعا أن هذا الكتاب لا يقتصر على الأبحاث النظرية
في دراسة الفشل كعارض من أعراض الأمراض النفسية، بل نراه يركز على الأمثلة المقتطفة من حياة الأشخاص العاديين. فهذا موظف ناجح حصل على ترقية وصار رئيسة مسؤو؟، فتوقع الجميع له مستقبلا باسمة فإذا هو يفشل فشلا ذريعة أودى بعلاقته برفاقه وبحياته العائلية وصحته النفسية. وهذا شاب أحب فتاة جميلة وغنية ومن عائلة محترمة، فحسده أكثر من شخص على ما أصاب من نجاح لكن حياته صارت جحيمة. وهذا رجل ناجح ويعيش حياة مترفة ويحظى باحترام الجميع وتقديرهم، ولكن الجميع يعلمون أنه يخفي بهذه المظاهر البراقة فشلا عائلية رهيبة حلم حياته الزوجية والعائلية، ثم تسبب بضياع ولده . وهذا رجل يحب زوجته لكنه يعاني في حياته الزوجية من اضطرابات جنسية شديدة . فلماذا وصل إلى الفشل كل هؤلاء الذين تألقوا ووصلوا إلى مكانة حسدهم عليها الكثيرون؟
ولا يقتصر هذا الفشل البارد المدمر على الأشخاص العاديين، بل يعاني منه أيضا المشاهير، ونجد في هذا الكتاب عرضا لمحطات هامة في حياة ثلاثة من الأعلام المشهورين في فرنسا، هم جان جاك روسو وروسپییر ونابوليون . ونلمس بوضوح كيف ساروا بخطى ثابتة ، من تلقاء أنفسهم، إلى الفشل الذريع الذي أودى بهم بعد أن كانوا في قمة المجد، ونتبين كم عانوا أحداثا أليمة رافقت ولادتهم وطفولتهم الأولى، وتركت أثرأ لا يمحى في شخصياتهم، ظل يفعل فعله حتى قادهم إلى الفشل الذريع. فروسو صار أديبة مشهورة، ومع ذلك عاش حياة عاطفية بائسة نتيجة شعوره المتلاحق بالذنب لأن أمه قضت في أثناء ولادته .
ووصل روبسييير إلى قمة السلطة، لكنه لم يستطع البقاء طويلا فيهـا إذ انقلب عليه رفاقه واعتقلوه، غير أن أصـدقاءه وأعـوانه أنقذوه وتجمعوا حـوله ينتظرون منه إشارة صغيرة للانقضاض على أعدائه، فأمضى الليل حائراً متردداً، فتفرق أعوانه معتبرين أن شيئاً لن يحدث، عند ذلك اغتنم أعداؤه الفرصـة السانحة وانقضوا عليه مجدداً وقادوه إلى المقصلة! لماذا وقف دون أي تحرك عندما بدا أن الموقف قد انقلب كلياً لصالحه؟
لماذا أضاع كل هذا الوقت الثمين، وهو العارف بحرج المواقف وشراسة الرجال إبان الثورة الفرنسية؟
ووصل نابوليون إلى قمة السلطة، خاض الحروب الكثيرة وانتصر فيها بجرأة نادرة وغدا أمبراطورة. وبدلا من تعزيز امبراطوريته ما فتىء يثير الحروب ویناویء الدول حتى أطاحت به؟
هذه المواقف، بجذورها النفسية، هي التي يهتم بها هذا الكتاب الرائع متوسط التحليل النفسي . ولعلنا نكون بترجمته قد سددنا ثغرة في مكتبتنا العربية والنفسية والعائلية. وتوخيا للفائدة ذلناه بما توجب من الحواشي والتعليقات .